الكرعين بالحمص
طبق الأصالة والنكهة المغربية الثقيلة
في فصل الشتاء، حين يهبّ البرد وتشتدّ الحاجة إلى وجبة دافئة تُشعر الجسم بالدفء وتغمر الروح بالرضا، تتقدّم إلى المائدة المغربية أكلة مميزة بطابعها الشعبي وتاريخها العريق: إنها الكرعين بالحمص، أو كما تُعرف في بعض المناطق بـ"هرقمة".
ليست هذه الأكلة مجرد طبق عادي، بل هي رمز للكرم والتقاليد المغربية، وجزء لا يتجزأ من ذاكرة الطفولة والشتاءات الدافئة.
ما هي الكرعين؟
"الكرعين" هو الاسم المغربي لأقدام البقر أو الغنم (الطراف أو القوائم)، والتي تُطهى ببطء حتى تذوب عظامها وتُصبح لينة وغنية بالنكهات. وتُحضّر عادة مع الحمص والتوابل المغربية الأصيلة، لتعطي طبقًا متوازنًا يجمع بين النكهة والقيمة الغذائية العالية.
أصول شعبية عريقة
يُعتبر طبق الكرعين بالحمص من الأكلات الشعبية البسيطة التي نشأت في الأحياء المغربية العتيقة. وكان يُقدّم في الشتاء وفي المناسبات البسيطة، خاصة حين يُذبح الكبش أو يُحضّر اللحم بكميات كبيرة. ومع مرور الوقت، تحوّلت هذه الوجبة إلى طبق رئيسي يُقدَّم في البيوت والمطاعم التقليدية، وحتى في موائد الأعياد.
طريقة التحضير... صبر ونكهة
تحضير الكرعين بالحمص يتطلّب الوقت والاهتمام أكثر من المهارة، فهذه الوجبة تُطهى على نار هادئة ولساعات طويلة، ما يمنحها طراوةً ونكهةً غنية لا تضاهى.
المكونات الأساسية:
كرعين (أقدام البقر أو الغنم) منظفة جيدًا
حمص منقوع لليلة كاملة
بصل، ثوم
زيت الزيتون
ملح، فلفل أسود، زنجبيل، كركم، رأس الحانوت
القليل من الطماطم المركزة
ماء كافٍ للطهي
بعد سلق الكرعين وتحميرها قليلًا مع البصل والثوم، تُضاف التوابل والطماطم، ثم يُسكب الماء وتُترك لتطهى حتى تنضج تمامًا. يُضاف الحمص في النصف الأخير من الطهي ليُحافظ على قوامه.
طبق غني بالقيمة الغذائية
الكرعين مصدر غني بـالكولاجين الطبيعي، وهو مفيد لصحة المفاصل والبشرة. أما الحمص، فهو غني بالبروتين والألياف. وعند الجمع بين المكونين، نحصل على وجبة مشبعة ومتوازنة، تُناسب الأجواء الباردة وتمنح الجسم طاقة وقوة.
لكن من المهم تناولها باعتدال، خاصة لمن يعانون من مشاكل في الكولسترول، لأن الكرعين تحتوي على نسبة من الدهون الحيوانية.
حضور في المناسبات والأعراس
رغم طابعها الشعبي، إلا أن الكرعين بالحمص لا تغيب عن بعض الأعراس المغربية، خاصة في القرى أو الأحياء التي تتمسّك بالعادات الأصيلة. يُقدّم الطبق في صينية نحاسية كبيرة، يُزيَّن الحمص على الوجه، وتُقدَّم معه الخبز البلدي أو الحرشة الساخنة.
وفي بعض المناطق، يُضاف إلى الوصفة القليل من الحار أو الفلفل الأسود، لتكون النكهة أقوى وأكثر دفئًا، خصوصًا في ليالي الشتاء القارس.
من المطبخ الشعبي إلى المطاعم الفاخرة
اليوم، يمكن أن نجد طبق الكرعين بالحمص في أشهر المطاعم المغربية التقليدية، حيث يُقدَّم للزوار والسياح كجزء من تجربة المطبخ المغربي الأصيل. ومع أنه من الأطباق البسيطة في أصله، إلا أن طريقة تقديمه قد تكون راقية، وتُظهر فخر المغاربة بطبخهم التقليدي.
ختامًا: الكرعين... دفء مغربي في طبق
الكرعين بالحمص ليست فقط وجبة شهية، بل هي ذكرى دافئة من المطبخ المغربي الشعبي، طبق يجمع العائلة حول المائدة، ويحمل عبق التوابل وروح البساطة.
إذا زرت المغرب يومًا، أو رغبت بتجربة أكلاته الأصيلة، فلا تفوّت تذوق الكرعين بالحمص... ستكتشف طعمًا غنيًا، وتاريخًا منسوجًا في كل لقمة.