جامع الكتبية
قلب مراكش النابض وروح العمارة الموحدية
وسط المدينة الحمراء مراكش، وعلى مقربة من ساحة جامع الفنا الشهيرة، ينتصب جامع الكتبية، كأحد أعظم التحف المعمارية الإسلامية في المغرب. لا يُعد هذا المسجد مجرد مكان للعبادة، بل هو رمز حضاري، ودليل على عبقرية العمارة المغربية الموحدية، التي تركت بصمتها على تاريخ المغرب والمغرب الكبير.
من هو جامع الكتبية؟
جامع الكتبية هو أكبر مسجد في مراكش، وقد بُني في عهد الدولة الموحدية في القرن الثاني عشر، تحديدًا في زمن الخليفة عبد المومن بن علي الكومي. بدأ بناؤه سنة 1147م بعد أن استولى الموحدون على المدينة من المرابطين، وتم تشييده على أنقاض مسجد قديم غير متقن البناء.
وسُمي بـ"الكتبية" لأنه كان يقع قرب سوق لبيع الكتب والمخطوطات، حيث اشتهرت تلك المنطقة بكثرة الكتبيين أو تجار الكتب، ما يدل على ازدهار الحياة الفكرية والثقافية في مراكش في ذلك العصر.
تحفة معمارية خالدة
جامع الكتبية يتميز بطرازه المعماري الأندلسي-المغربي، الذي يجمع بين البساطة في التكوين والدقة في الزخرفة. يمتد المسجد على مساحة واسعة تتسع لأكثر من 20 ألف مصلٍ، وتحيط به حدائق خضراء ونافورات، تجعل منه مكاناً للسكينة والتأمل.
من أبرز معالمه وأكثرها شهرة هي الصومعة، التي يبلغ ارتفاعها حوالي 77 مترًا، وهي من أجمل وأشهر الصوامع في العالم الإسلامي. بُنيت من الحجر الرملي الأحمر، وتُزينها نقوش هندسية دقيقة، وقد كانت نموذجًا لصومعتي صومعة حسان في الرباط والخيرالدا في إشبيلية.
الصومعة مزوّدة بمنحدر داخلي بدلاً من السلالم، يُقال إن المؤذن كان يصعد على ظهر دابة ليرفع الأذان. وقد كانت تُستخدم في ما مضى كمنارة لإرشاد القوافل التجارية من بعيد.
الجانب الروحي والديني
يُعد جامع الكتبية مركزًا دينيًا مهمًا، ووجهة للمصلين من سكان المدينة وزوارها. تقام فيه الصلوات الخمس، وخطب الجمعة، وكذلك صلوات العيد. كما يُستخدم في المناسبات الدينية الكبرى مثل ليلة القدر في رمضان، حيث يغمر المسجد نور الإيمان، ويحتشد المصلون في جو من الخشوع والروحانية.
تأثيره على العمارة الإسلامية
لم يكن جامع الكتبية مجرد مسجد، بل أصبح نموذجًا يُحتذى به في بناء المساجد لاحقًا، سواء داخل المغرب أو خارجه. أثر تصميمه في معمار مساجد فاس والرباط، وامتد تأثيره إلى الأندلس، حيث تم بناء صروح مماثلة في غرناطة وإشبيلية.
ترميم وحماية
رغم مرور قرون على بنائه، حافظ جامع الكتبية على كثير من أصالته وجماله، وقد خضع عبر الزمن لعدة عمليات ترميم للحفاظ على مظهره ومتانته. واليوم، يُصنف ضمن المعالم التاريخية المحمية من طرف وزارة الثقافة المغربية، ويُعد من رموز مدينة مراكش بلا منازع.
في الختام
جامع الكتبية ليس مجرد بناء من الحجر والطين، بل هو صفحة ناطقة من تاريخ المغرب الإسلامي، ومرآة تعكس تطور العمارة والروح الدينية في عهد الموحدين. إنه معلمٌ جمع بين الجمال والقدسية، وبين الفن والإيمان، وما يزال شامخًا في قلب مراكش، يروي حكاية حضارة لم تنطفئ جذوتها عبر الزمن.