شفشاون: المدينة الزرقاء التي تأسر القلوب

شفشاون

المدينة الزرقاء التي تأسر القلوب

شفشاون المدينة الزرقاء التي تأسر القلوب

بين جبال الريف الشامخة، وفي حضن الطبيعة الهادئة، تختبئ مدينة ساحرة تُعرف باسم "المدينة الزرقاء". إنها شفشاون، جوهرة شمال المغرب، التي تأخذك في رحلة عبر الزمن، وتحملك إلى عالم من الألوان والهدوء الروحي الذي نادرًا ما تجده في مكان آخر. في هذه التدوينة، سأشارككم تجربتي الشخصية في زيارة هذه المدينة الفريدة، والتي ما زالت تفاصيلها محفورة في ذاكرتي.

الوصول إلى شفشاون: بداية الحكاية

بدأت رحلتي من طنجة، حيث استقلت حافلة في الصباح الباكر نحو شفشاون. الطريق كان مليئًا بالمناظر الطبيعية الخلابة: جبال خضراء، قُرى صغيرة تنام بين السهول، وأجواء هادئة لا تسمع فيها إلا زقزقة العصافير. بعد حوالي ثلاث ساعات من السفر، بدأت أرى أطراف المدينة الزرقاء تلوح في الأفق، وتملأني مشاعر الحماس والاكتشاف.

الانطباع الأول: سحر اللون الأزرق

ما إن تطأ قدماك أرض شفشاون حتى تشعر أنك انتقلت إلى عالم من الخيال. كل شيء هنا أزرق: الجدران، الأبواب، الأدراج، وحتى الزهور المزروعة في أصص زرقاء. يقال إن هذا اللون الأزرق يرمز إلى السلام والروحانية، وقد اختاره اليهود الذين استقروا في المدينة في القرن الخامس عشر، ليبقى جزءًا من هويتها إلى اليوم.

بين أزقتها الضيقة المتعرجة، كل زاوية تصلح لالتقاط صورة. كل باب له تصميمه الفريد، وكل نافذة تحكي قصة مختلفة. أهل المدينة ودودون، يستقبلونك بوجوه باسمة وقلوب مفتوحة، ويعرضون عليك شاي النعناع أو قطعة من الخبز التقليدي دون تردد.

ساحة وطاء الحمام: قلب المدينة النابض

توجهت نحو ساحة "وطاء الحمام"، التي تعتبر القلب النابض لشفشاون. هناك، يتجمع السكان والسياح على حد سواء، في مقاهي تقليدية تطل على القصبة القديمة، حيث يمكن للزائر الاستمتاع بفنجان من القهوة أو كأس من عصير البرتقال الطازج، بينما تعزف فرقة موسيقية محلية أنغامًا أندلسية تبعث الحياة في المكان.

القصبة نفسها تستحق الزيارة، فهي قلعة تاريخية تعود إلى القرن الخامس عشر، وتضم حديقة جميلة ومتحفًا صغيرًا يعرض تاريخ المدينة وبعض القطع الأثرية المحلية.

التجول في السوق التقليدي

أحد أجمل ما في شفشاون هو سوقها التقليدي. هناك تجد الحرفيين يصنعون الصوف يدويا، والنساء يعرضن منتجات طبيعية من الأعشاب والعسل، والباعة يزينون محلاتهم بالسجاد، والزربية، والملابس التقليدية المطرزة. اقتنيت من هناك حقيبة مصنوعة يدويًا، وبعض التوابل المغربية التي تعبق منها رائحة الشرق.

جبل القلعة: منظر بانورامي لا يُنسى

قبل مغادرتي، قررت الصعود إلى جبل القلعة، المطل على المدينة. الطريق إلى الأعلى كان متعبًا قليلاً، لكنه يستحق كل خطوة. من هناك، يمكنك رؤية شفشاون بكل تفاصيلها، كلوحة فنية مرسومة بعناية: بيوتها الزرقاء، ومآذن مساجدها، والجبال التي تعانقها من كل الجهات. جلست هناك أتأمل الغروب، والشمس ترسم بأشعتها الذهبيّة لوحة تُبهج الروح.

وداعًا شفشاون… إلى لقاء آخر

رحلتي إلى شفشاون لم تكن مجرد زيارة سياحية، بل كانت تجربة روحية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. هذه المدينة الهادئة، بألوانها الساحرة وطبيعتها الخلابة، علمتني أن الجمال في البساطة، وأن السلام الحقيقي قد تجده بين أزقة زرقاء في مكان بعيد عن ضجيج العالم.

إذا سنحت لك الفرصة لزيارة المغرب، لا تفوّت شفشاون. صدّقني، ستكون واحدة من أجمل التجارب في حياتك.

تعليقات