رقصة أحواش: نبض الجبل وصوت الأمازيغ

 رقصة أحواش

نبض الجبل وصوت الأمازيغ

رقصة أحواش نبض الجبل وصوت الأمازيغ


في قلب جبال الأطلس وسهول سوس، ينبض التراث الأمازيغي بروح جماعية فريدة تتجلّى في رقصة أحواش، تلك الرقصة الجماعية التي تمزج بين الغناء، الشعر، الإيقاع، والحركة، لتُعبّر عن الفرح الجماعي، والفخر بالهوية، والانتماء للأرض. أحواش ليست مجرد رقصة، بل هي طقس اجتماعي وثقافي له عمق ديني، تاريخي، وإنساني.

أصل التسمية وجذورها التاريخية

كلمة "أحواش" تُشتق من الجذر الأمازيغي "حوش"، الذي يدل على الفضاء المفتوح أو الساحة. وغالبًا ما تُقام رقصة أحواش في الساحات العامة للقرى الأمازيغية، خصوصًا خلال الأعراس، المواسم، والأعياد. ويُعتقد أن هذه الرقصة تعود إلى قرون غابرة، وقد حافظت المجتمعات الأمازيغية عليها كأحد أهم أشكال التعبير الثقافي الجماعي.

الرقصة: تناغم بين الجسد والروح

رقصة أحواش تُؤدى بشكل جماعي، وتضم رجالاً ونساءً يصطفون في صفّين متقابلين أو على شكل قوس، تتوسطهم مجموعة من العازفين والشعراء.

الحركة: تعتمد على خطوات موحدة تُؤدى بإيقاع منتظم، مع ضربات خفيفة بالأقدام وهزات بالأكتاف، في مشهد متناسق يُعبّر عن الوحدة.

الغناء: يُغنّى باللغة الأمازيغية (تمازيغت)، ويكون عبارة عن أشعار مرتجلة تُعرف بـ"أزلي"، تتناول مواضيع الحب، الأرض، الحكمة، أو التحدي.

الإيقاع: يُقاده ضاربوا الدفوف الكبيرة (البندير) التي تُحدث صدى عميقًا يُحرّك الإحساس ويمنح الرقصة طابعها القوي.


دور الشعر في أحواش

من المكونات الأساسية لأحواش الشعر الارتجالي، حيث يتبارى الشعراء في تبادل الأبيات أمام الجمهور، فيما يُعرف بـ"تنضامت". هذا التبارز الشعري يُضفي طابع التفاعل والحماس على الرقصة، ويمنحها بُعدًا ثقافيًا يتجاوز الجسد إلى الفكر والبلاغة.

أنواع أحواش

تختلف أنماط رقصة أحواش باختلاف المناطق:

أحواش سوس: يتميّز بالتناغم بين الرجال والنساء، وبالملابس التقليدية الزاهية.

أحواش ورزازات: يُعرف بإيقاعه القوي وكثرة الشعر الارتجالي.

أحواش تافراوت: يُركز على الجمال البصري والتشكيلات الجماعية.


كل منطقة تُضيف لمستها الخاصة حسب الموروث المحلي، لكن كلها تشترك في الطابع الجماعي والإيقاع الحي.

اللباس والرمزية

يرتدي المشاركون في أحواش أزياء تقليدية أمازيغية، غالبًا منسوجة يدويًا ومزيّنة بالرموز الأمازيغية. كما تضع النساء حليًا فضية ومشابك مزخرفة، في حين يرتدي الرجال جلابيب بيضاء أو برانس صوفية، ما يضفي على الرقصة طابعًا احتفاليًا أنيقًا ومعبّرًا عن الهوية.

البعد الاجتماعي والروحي

أحواش ليست فقط فنًا للتسلية، بل هي وسيلة للتواصل الاجتماعي، وفضاء للتعارف، وتصفية النزاعات أحيانًا. كما تُؤدى أحيانًا لطرد الأرواح الشريرة أو الاحتفال بموسم الحصاد، ما يُبرز بعدها الروحي والديني في بعض المناطق.

حضور أحواش اليوم

لا تزال رقصة أحواش حاضرة بقوة في المهرجانات الوطنية والدولية، مثل مهرجان "تيميتار" في أكادير، ومهرجان "أحواش الوطني" بورزازات. كما بدأت بعض الفرق تُقدّم أحواش بصيغ عصرية تُبرز جماله في سياقات فنية حديثة، دون أن تمس بجوهره الأصيل.

الختام

أحواش ليست مجرد رقصة، بل هي حكاية شعب تُروى بالجسد والكلمة والإيقاع. إنها مرآة الثقافة الأمازيغية التي تعكس الحب، الانتماء، والفن الجماعي في أبهى صوره. فكلما دقّت الدفوف، وهتفت الحناجر، ورقصت الأقدام، نطق التراث بلغة لا تنسى.
تعليقات