الشباكية
حلوى رمضان التي تعانق التراث المغربي
في المغرب، هناك رائحة لا تُخطئها الأنوف في شهر رمضان، رائحة تمتزج فيها القرفة، والسمسم، والعسل... إنها رائحة الشباكية، الحلوى التقليدية التي لا تخلو منها مائدة مغربية خلال هذا الشهر الفضيل. لكن الشباكية ليست مجرد حلوى رمضانية، بل هي رمز ثقافي له تاريخ طويل ونكهة عميقة تضرب بجذورها في المطبخ المغربي الأصيل.
ما هي الشباكية؟
الشباكية، وتُعرف في بعض المناطق بـ"المخرقة"، هي حلوى مصنوعة من عجين مخمّر يُعجن بتوابل مختلفة مثل الزعفران، والقرفة، وحبّ الرشاد، ثم يُقطع ويُشكل في أشكال زخرفية متداخلة على شكل وردة أو ضفائر، ويُقلى في الزيت الساخن حتى يأخذ لونًا ذهبيًا، ثم يُغمس مباشرة في عسل ممزوج بماء الزهر، ويُزين غالبًا بـالسمسم (الزنجلان).
هي حلوى تجمع بين القرمشة من الخارج والنعومة والعسل من الداخل، مما يجعلها مميزة في الطعم والمذاق.
تاريخ الشباكية... من أين جاءت؟
يعود أصل الشباكية إلى المطبخ الأندلسي، وقد انتقلت إلى المغرب بعد سقوط الأندلس، مع المهاجرين الذين جلبوا معهم وصفاتهم وتقنياتهم. لكنها مع مرور الزمن تطورت وأخذت طابعًا مغربيًا خالصًا، لا سيما في طريقة تشكيلها وتوابلها.
اليوم، لكل مدينة مغربية لمستها الخاصة في تحضير الشباكية. ففي فاس تكون أكثر تعقيدًا وزخرفة، بينما في مراكش تميل إلى البساطة والقرمشة، أما في الرباط والدار البيضاء فهي غالبًا طويلة وملتوية كالضفيرة.
رمز رمضاني بامتياز
من النادر جدًا أن تجد مائدة إفطار رمضانية مغربية لا تحتوي على طبق من الشباكية، إلى جانب الحريرة، والتمر، والبيض المسلوق. فالشباكية لا تُؤكل فقط للحلاوة، بل لأنها تمدّ الجسم بالطاقة، بفضل احتوائها على العسل والدقيق والسمسم.
وتُعد الشباكية من أوائل الحلويات التي تبدأ النساء المغربيات بتحضيرها قبل بداية رمضان بأسابيع، في أجواء من التعاون والفرح داخل الأسرة.
طقس اجتماعي بامتياز
تحضير الشباكية في البيوت المغربية ليس مجرد عمل مطبخي، بل هو طقس اجتماعي. تتجمع النسوة لتقطيع العجين وتشكيله، بينما يدور الحديث بينهن عن كل شيء: العائلة، الجيران، أسعار السوق، وحتى خطط رمضان.
وفي السنوات الأخيرة، ومع تزايد الإيقاع السريع للحياة، لجأت العديد من الأسر لشراء الشباكية جاهزة من الأسواق، خاصة من الأسواق الشعبية التي تُعرض فيها الشباكية بأنواع وأحجام وأشكال مختلفة، ومع ذلك تبقى للمنزلية نكهتها الخاصة.
هل هي صحية؟
مثل أي حلوى مقلية ومغمّسة في العسل، يجب تناول الشباكية باعتدال، خصوصًا لمن يعانون من السكري أو مشاكل في الهضم. ومع ذلك، فإن مكوناتها مثل حب الرشاد، والزنجلان، والعسل، لها فوائد غذائية كبيرة. كما بدأ البعض باللجوء إلى نسخ "أخفّ"، مثل خبزها في الفرن بدل القلي، أو تقليل كمية العسل.
الشباكية اليوم... بين الأصالة والتجديد
في الوقت الذي يحافظ فيه المغاربة على شكلها التقليدي، بدأت بعض الطاهيات المبدعات بإدخال لمسات عصرية على الشباكية: مثل تغليفها بالشوكولاتة، أو تقديمها بأشكال هندسية مبتكرة. لكن النكهة الأصلية تبقى الأقرب إلى قلوب الجميع.
---
في الختام...
الشباكية ليست مجرد حلوى، إنها حكاية تراث وعشق رمضاني تتوارثه الأجيال. رائحتها تُشعل الذكريات، وطعمها يربطك بعمق بالمائدة المغربية، بأصالتها، وكرمها، وحبّها للحياة.
إذا زرت المغرب في رمضان، فلا تنسَ أن تتذوق الشباكية... ففي قضمة واحدة منها، قصة وطن.