وليلي
عاصمة الحضارة الرومانية في قلب المغرب
تقع مدينة وليلي الأثرية على بعد حوالي 30 كيلومترًا شمال مدينة مكناس، وسط سهل زرهون الخصب، وتُعتبر واحدة من أهم المواقع الأثرية في المغرب وشمال إفريقيا. تجذب هذه المدينة العريقة الزوار من مختلف أنحاء العالم، ليس فقط بسبب أطلالها المذهلة، بل لما تحمله من تاريخ عميق وثقافات متعاقبة تعود إلى آلاف السنين.
تاريخ وليلي
ترجع أصول وليلي إلى القرن الثالث قبل الميلاد، حيث كانت في البداية مستوطنة أمازيغية، قبل أن تصبح فيما بعد تحت حكم الإمبراطورية الرومانية. خلال العهد الروماني، ازدهرت وليلي بشكل كبير، وأصبحت عاصمة إقليم موريتانيا الطنجية. كانت مركزًا إداريًا وتجاريًا مهمًا، واشتهرت بإنتاج زيت الزيتون، والزراعة، وتصدير السلع نحو أوروبا.
في القرن الثالث الميلادي، بدأت سلطة روما تضعف في المنطقة، ومع ذلك، واصلت وليلي نشاطها كمركز حضاري، حتى بعد انسحاب الرومان منها. في القرن الثامن الميلادي، عادت لتلعب دورًا محوريًا في بدايات الدولة الإسلامية بالمغرب، حيث يُعتقد أن إدريس الأول، مؤسس الدولة الإدريسية، استقر بها بعد قدومه من المشرق، قبل أن يؤسس مدينة فاس.
معالم أثرية مدهشة
رغم مرور القرون، ما تزال آثار وليلي تحتفظ بجمالها وروعتها. المشي بين أروقتها يُشعرك وكأنك تسافر عبر الزمن. من أبرز المعالم التي يمكن مشاهدتها:
قوس النصر: شُيّد سنة 217م تكريمًا للإمبراطور كراكلا ووالدته جوليا دومنا. لا يزال القوس صامدًا ويُعد أحد الرموز المميزة للمدينة.
المعابد والمنتدى: كانت هذه الساحات مكانًا للاجتماعات العامة والطقوس الدينية.
الحمامات العمومية: التي توضح مدى تطور الحياة اليومية في المدينة الرومانية.
الفسيفساء الرائعة: خصوصًا في منازل "أورفيوس" و"هرقل"، وتُظهر مشاهد من الأساطير الرومانية بحرفية فنية مذهلة.
معاصر الزيتون: التي تدل على ازدهار النشاط الفلاحي والصناعي في المدينة.
وليلي في العصر الحديث
تم تصنيف موقع وليلي ضمن التراث العالمي لليونسكو سنة 1997، مما ساعد في لفت أنظار العالم إلى قيمتها التاريخية. وقد بدأت أعمال ترميم وحفظ شاملة، مع جهود لتعزيز السياحة الثقافية والوعي بتراث المغرب العريق.
تزور آلاف الأسر والرحّالة والطلبة هذه المدينة سنويًا، حيث يجد الزائر مزيجًا نادرًا من الحضارة الرومانية، والروح الأمازيغية، والتاريخ الإسلامي المبكر. كما تُنظم أحيانًا فعاليات ثقافية وموسيقية في فضائها، تضفي على المكان حياة معاصرة تنسجم مع سكون الماضي.
سحر لا يزول
وليلي ليست فقط مكانًا لمشاهدة الأطلال، بل هي مرآة لهوية المغرب المتعددة. إنها حكاية عن حضارات تلاقت وتفاعلت فوق هذه الأرض. المشي في وليلي، وسط الأعمدة المتناثرة والفسيفساء الباقية، تجربة روحية قبل أن تكون سياحية. إنّها دعوة مفتوحة للتأمل في الزمن، وللتصالح مع الجذور.