وسط صخب المدينة الحمراء مراكش، وضجيج أسواقها وزوارها، تجد واحة من الهدوء والجمال تمتد على مرمى البصر... إنها حدائق المنارة، أحد أروع المعالم الطبيعية والتاريخية في المغرب، ومتنفسٌ حقيقي لسكان المدينة وزوارها.
لمحة تاريخية: حدائق تعود إلى عهد الموحدين
بُنيت حدائق المنارة في القرن الثاني عشر خلال عهد السلطان عبد المؤمن بن علي الكومي من الدولة الموحدية، وكانت الغاية منها توفير مكان للراحة والتأمل، وتدريب الجنود على السباحة.
وقد أُضيف إليها لاحقًا المبنى الشهير ذو السقف الأخضر خلال العهد العلوي، وتحديدًا في القرن التاسع عشر، ليُصبح رمزًا مميزًا للمنارة. ومنذ ذلك الحين، ظلت الحدائق محافظة على طابعها الأصلي، شاهدة على قرون من التاريخ المغربي.
ماذا تجد في حدائق المنارة؟
عندما تدخل حدائق المنارة، أول ما يلفت انتباهك هو الحوض الكبير الواقع في قلب الحديقة، والذي يتم تغذيته بمياه تأتي من جبال الأطلس عبر نظام تقليدي مذهل من السواقي والقنوات يُعرف باسم الخطارات، وهو نظام يعود لقرون.
يقف إلى جانب الحوض الجناح الملكي أو "المنزل"، وهو مبنى صغير ذو طابع مغربي جميل، وسقف مائل مغطى بالقرميد الأخضر. وقد استخدم هذا الجناح تاريخيًا كمكان للراحة من قِبل السلاطين، واليوم يُعد نقطة جذب للزوار الراغبين في التقاط صور بانورامية بديعة.
أما الحديقة نفسها فهي بستان شاسع من أشجار الزيتون، تمتد على مساحات خضراء واسعة، وتُعدّ مثالية للتنزه، أو الجلوس تحت الظلال، أو ببساطة تأمل الطبيعة.
وجهة العائلات والعشاق
حدائق المنارة ليست مجرد مزار سياحي، بل هي فضاء يومي للمراكشيين. ستجد فيها العائلات تفرش الحصائر، والأطفال يركضون في الممرات، والعشاق يتبادلون الهمسات بهدوء تحت الأشجار.
إنها مكان مثالي للهروب من زحام المدينة، والاقتراب من الطبيعة، والاستمتاع بنسيم عليل قادم من جبال الأطلس.
سحر المكان في كل الفصول
لكل فصل في حدائق المنارة سحره الخاص. في الربيع، تزين الأزهار البسيطة أطراف الممرات. في الصيف، يتحول المكان إلى ملاذ بارد بعيدًا عن حرّ الشمس. وفي الشتاء، تعكس مياه الحوض صورة الجبال المكسوة بالثلوج في مشهد يسرّ الناظرين.
وفي أي وقت من السنة، لا شيء يضاهي لحظة غروب الشمس في المنارة، عندما تتلون السماء بألوان ذهبية، وتنعكس على سطح الماء، لتخلق مشهدًا بديعًا يُشبه لوحة فنية حية.
رمز فني وثقافي
بجانب قيمتها الجمالية، أصبحت حدائق المنارة رمزًا ثقافيًا وفنيًا في مراكش. فقد ظهرت في العديد من اللوحات الفنية، والصور الفوتوغرافية، وأعمال السينما. كما تُستخدم أحيانًا كمكان لتصوير أفلام أو جلسات تصوير بسبب جمالها الطبيعي وهدوئها الأخّاذ.
ختامًا: حين تهمس الطبيعة
حدائق المنارة ليست مجرد مكان للتنزه، بل تجربة روحية، تعيد إليك توازنك وسط ضجيج الحياة. إنها تذكير بأن في قلب كل مدينة، مهما كانت صاخبة، توجد زاوية للتأمل، ومساحة للتنفس، وهمسة من همسات الطبيعة.
إذا زرت مراكش، فلا تفوّت فرصة المشي بين أشجار الزيتون، وتأمل غروب الشمس على مياه الحوض، وسماع حكايات التاريخ تهمس لك من بين أغصان المنارة...