صومعة حسان: المئذنة التي تحدّت الزمن

صومعة حسان

 المئذنة التي تحدّت الزمن

صومعة حسان المئذنة التي تحدّت الزمن

في قلب العاصمة المغربية الرباط، ترتفع صومعة فريدة من نوعها، شاهقة وفخمة، تشهد على حقبة ذهبية من تاريخ المغرب. إنها صومعة حسان، المعلم المعماري الرائع الذي لم يكتمل، لكنه ظل رمزاً للأصالة، الطموح، والهوية الحضارية المغربية.

بداية الحكاية

تعود قصة صومعة حسان إلى أواخر القرن الثاني عشر الميلادي، وتحديداً إلى عهد السلطان الموحدي يعقوب المنصور، الذي كان يطمح لجعل مدينة الرباط عاصمة للإمبراطورية الموحدية، تنافس مدن المشرق في عظمة العمارة وقوة التأثير.

بدأ البناء سنة 1195م، وكان الهدف إنشاء مسجد ضخم يفوق كل المساجد حينها، بمئذنة شاهقة يصل ارتفاعها إلى 86 متراً، لتكون الأعلى في العالم الإسلامي في ذلك الوقت.

هندسة عبقرية

صُممت صومعة حسان وفقاً للطراز المعماري المغربي الموحدي، الذي يجمع بين البساطة والروعة، ويُركز على التفاصيل الزخرفية الدقيقة. يبلغ ارتفاع الصومعة اليوم حوالي 44 مترًا فقط، لأن البناء توقف بعد وفاة السلطان سنة 1199م، لكن التقديرات تشير إلى أنها كانت ستتجاوز 80 مترًا لو اكتملت.

تم بناء الصومعة بالحجر الرملي الأحمر، ما يمنحها لوناً دافئًا يضفي عليها هيبة وجمالاً خاصين، خصوصاً عند غروب الشمس.

مئذنة بلا أذان

رغم أنها مئذنة، لم يُرفع منها الأذان يومًا، لأنها لم تُستخدم فعليًا بعد توقف البناء. لكنها مع ذلك أصبحت من أشهر المعالم الإسلامية في المغرب، وتُقارن غالباً بصومعة الكتبية في مراكش، وصومعة الخيرالدا في إشبيلية، لأن الثلاثة تنتمي إلى نفس الحقبة المعمارية الموحدية.

المسجد الذي لم يُكتمل

إلى جانب الصومعة، كانت هناك خطة لبناء مسجد عملاق يضم أكثر من 300 عمود، ويتسع لعشرات الآلاف من المصلين. لكن بعد وفاة يعقوب المنصور، توقفت الأشغال، ولم يُستكمل المشروع، فبقيت الأعمدة والأجزاء غير المكتملة شاهدة على حلم معماري عظيم لم يكتمل.

وما زالت بقايا المسجد تُشكّل جزءاً من الموقع، حيث تصطف الأعمدة بشكل هندسي يعكس عظمة التخطيط المعماري في ذلك العصر.

ضريح الملوك

بجانب صومعة حسان، شُيّد في الستينات ضريح محمد الخامس، والد الملك الحسن الثاني، الذي يُعد أحد رموز استقلال المغرب. يضم الضريح رفات محمد الخامس، الحسن الثاني، والأمير مولاي عبد الله، في بناء يجمع بين الجمال المعماري المغربي والزخارف الفاسية والرخام الأبيض الفاخر.

هذا الضريح أضاف للموقع رمزية وطنية، وجعل من صومعة حسان مركزًا روحانيًا وتاريخيًا في قلب الرباط.

صومعة حسان اليوم

تحوّلت صومعة حسان إلى واحدة من أهم المعالم السياحية والثقافية في المغرب، وتستقطب الزوار من داخل البلاد وخارجها. كما تُستخدم أحيانًا كموقع لإقامة المناسبات الرسمية والاحتفالات الوطنية الكبرى.

في الختام

رغم أنها لم تكتمل، إلا أن صومعة حسان ظلّت شامخة، تُحاكي السماء وتهمس بتاريخٍ من المجد والطموح. إنها صرحٌ ناطق بحكاية حضارة، وبصمة معمارية لا تموت، تذكّر المغاربة وكل الزائرين بأن بعض الأحلام، وإن لم تكتمل، تبقى خالدة في ذاكرة التاريخ.
تعليقات