ضريح محمد الخامس: معلم شامخ يخلّد روح الاستقلال

ضريح محمد الخامس

معلم شامخ يخلّد روح الاستقلال

ضريح محمد الخامس معلم شامخ يخلّد روح الاستقلال

في قلب العاصمة المغربية الرباط، وبمحاذاة صرح تاريخي عظيم هو برج الحسان، ينتصب بناء فريد يخطف الأنظار بجماله المعماري وهيبته التاريخية. إنه ضريح محمد الخامس، أحد أبرز المعالم الوطنية في المغرب، وواحد من أجمل الأضرحة الملكية في العالم الإسلامي.


من هو محمد الخامس؟


قبل أن نتحدث عن الضريح، لا بد من وقفة قصيرة مع شخصية الملك محمد الخامس، الرجل الذي ارتبط اسمه ارتباطًا وثيقًا بنضال المغرب من أجل الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي.


وُلد محمد الخامس عام 1909، وتولى العرش عام 1927. وخلال فترة حكمه، وقف بشجاعة إلى جانب شعبه في مواجهة الاستعمار، ورفض الخضوع للمطالب الفرنسية، ما أدى إلى نفيه إلى مدغشقر عام 1953. لكن نفيه لم يُسكت صوت المقاومة، بل زادها اشتعالًا، حتى عاد الملك إلى أرض الوطن عام 1955 وسط استقبال شعبي تاريخي، ليُعلن بعدها استقلال المغرب سنة 1956.


توفي محمد الخامس سنة 1961، لكن ذكراه لا تزال حيّة في قلوب المغاربة، ويتجلى ذلك في الضريح الذي يحمل اسمه، والذي بات رمزًا للوطنية والوفاء.


تصميم يجمع بين الأصالة والفخامة


تم تشييد ضريح محمد الخامس بأمر من الملك الحسن الثاني، تكريمًا لوالده واعترافًا بفضله في نيل الاستقلال. وقد تم افتتاحه رسميًا عام 1971.


ما إن تقترب من الضريح، حتى يأسر نظرك الطراز المعماري المغربي الأندلسي، من الزخارف الجبسية والنقوش الخشبية، إلى الأعمدة الرخامية البيضاء، والفسيفساء الملونة التي تزين الجدران. كل حجر في البناء يحكي قصة من روعة الصنعة المغربية التقليدية.


الضريح مبني من رخام أبيض ناصع، تعلوه قبة خضراء، وهو مزين من الداخل بروائع الزليج والخشب المنقوش بدقة بالغة. في قلب القاعة الرئيسية، يرقد قبر الملك محمد الخامس، إلى جانبه قبر ابنيه: الملك الحسن الثاني، والأمير مولاي عبد الله.


موقع استراتيجي وتاريخي


يقع الضريح في ساحة واسعة إلى جانب برج الحسان، الذي كان من المفترض أن يكون مئذنة لأكبر مسجد في العالم الإسلامي في القرن الثاني عشر، لولا توقف بنائه. هذا الموقع يضفي على الضريح طابعًا رمزيًا، إذ يجمع بين الهوية الإسلامية والتاريخ المغربي العريق.


المنطقة كلها تُعد نقطة جذب سياحي مهمة، حيث يأتي الزوار من داخل المغرب وخارجه، للتمتع بجمال المعمار، والتأمل في لحظة من لحظات الوفاء لرمز وطني خالد.


حارس الذاكرة الوطنية


أكثر من مجرد ضريح، يُعدّ هذا المعلم فضاءً رمزيًا للتاريخ والذاكرة. هنا يُستحضر نضال محمد الخامس، ومواقف الحسن الثاني، ويتم ترسيخ قيم الوطنية والوفاء في أذهان الأجيال القادمة.


وغالبًا ما يُقام بجانب الضريح حفل رسمي في عيد الاستقلال وعيد العرش، حيث يُوضع إكليل من الزهور، ويتم تلاوة آيات من القرآن ترحمًا على أرواح الراحلين.


مفتوح للجميع


بعكس الكثير من الأضرحة الملكية في العالم، فإن ضريح محمد الخامس مفتوح للعموم، مغاربة وسياحًا، رجالًا ونساءً، من كل الديانات والثقافات، ما يجعله فضاءً للتأمل في الجمال والروحانية والتاريخ معًا.


خاتمة: أكثر من قبر... إنه رسالة


ضريح محمد الخامس ليس مجرد مكان دفن، بل رسالة قوية عن الانتماء والوفاء للوطن. إنه تذكير دائم بأن الاستقلال لم يكن منحة، بل ثمرة نضال طويل، ورجال مخلصين، على رأسهم محمد الخامس، الذي ضحى بالكثير من أجل أن يعيش وطنه حرًا.


إذا زرت الرباط، فاجعل من هذا الضريح محطة ضرورية... فهناك، وسط الأعمدة الرخامية والزليج البهي، ستسمع همسات التاريخ تقول لك: هنا يرقد من أعاد للمغرب مجده.


تعليقات