بولفاف
نكهة العيد وروح اللمة المغربية
من بين الأطباق التي تميز المائدة المغربية خلال عيد الأضحى المبارك، يبرز طبق خاص لا يمكن تخيل أجواء العيد من دونه. إنه بولفاف، ذلك الطبق الشعبي البسيط في مكوناته، العظيم في مكانته داخل قلوب المغاربة.
بولفاف ليس مجرد أكلة، بل هو طقس اجتماعي وثقافي يعكس روح التضامن، ومشاركة اللحظات الأولى بعد الذبح بين العائلة والجيران والأصدقاء.
ما هو بولفاف؟
"بولفاف" هي كلمة مغربية مشتقة من "اللّفّ"، ويُقصد بها قطع الكبد أو القلب أو الطحال، المشوية والمغلفة بشحم الخروف (المعروف بـ "الكلية" أو "التّقّالة")، تُطهى مباشرة بعد ذبح الأضحية، وتُعتبر أول وجبة تُحضّر وتُؤكل في يوم العيد.
يُقطّع الكبد أو القلب إلى قطع متوسطة الحجم، وتُلفّ كل قطعة بشرائح رقيقة من الشحم، ثم تُشكّ في أعواد خشبية (مشابهة لأسياخ الشواء)، وتُشوى فوق الجمر حتى تذوب الشحوم وتُصبح القطع مقرمشة من الخارج، وطرية من الداخل.
سرّ النكهة في بساطتها
يتميز بولفاف ببساطته، فهو لا يحتاج إلى مكونات كثيرة. القليل من الملح، الكمون، والفلفل الأسود غالبًا ما يكون كافيًا لإبراز مذاقه، خصوصًا أن شحم الخروف يعطي نكهة غنية ودسمة، تتكامل مع الكبد أو القلب المشوي.
عادةً ما يُقدَّم بولفاف في أوراق تقليدية أو على قطع من الخبز المغربي الطازج، ويُؤكل مباشرةً بالأيدي، ما يزيد من لذة التجربة.
طقس اجتماعي بامتياز
إعداد بولفاف لا يتم في المطبخ فقط، بل غالبًا ما يُحضّر في باحة المنزل أو فوق سطح الدار، وسط ضحك الأطفال وأحاديث الكبار. إنها لحظة تجتمع فيها العائلة، ويتشارك فيها الجيران، حيث لا يخلو أي بيت من زائر يُقدَّم له سيخ أو اثنان من بولفاف كعلامة ترحيب ومحبة.
هذا الطبق يُعزّز روح الجماعة والتواصل الاجتماعي، خاصة أن تحضيره لا يتطلب الكثير من الوقت، ما يجعله مناسبًا لمشاركة اللحظات الأولى من فرحة العيد.
بين الماضي والحاضر
قد يبدو بولفاف طبقًا بسيطًا، لكنه يحمل بين طياته أبعادًا رمزية وثقافية عميقة. فهو يُذكّر بالعادات الأصيلة، وبروح العيد التي لا تتعلق فقط بالأضحية، بل أيضًا بمشاركة الطعام، والتعبير عن الفرح من خلال التحضير الجماعي والاحتفال.
ورغم تطور أساليب الطهي ودخول أطباق جديدة إلى المائدة المغربية، إلا أن بولفاف لا يزال حاضرًا بقوة، ويحتفظ بمكانة خاصة لا ينافسه فيها أي طبق آخر في يوم العيد.
بولفاف في المدن والقرى
في القرى، يُحضّر بولفاف غالبًا على الفحم الطبيعي، ويُتبّل بأعشاب محلية، بينما في المدن، قد تُستخدم شوايات حديثة، ويُقدَّم بأسلوب أكثر ترتيبًا. ومع ذلك، فإن المذاق يبقى هو نفسه: نكهة العيد المغربي الخالدة.
ختامًا: أكثر من مجرد أكلة
بولفاف ليس فقط طعامًا يُؤكل، بل هو ذكرى تُعاش كل عام، ولحظة دافئة تجمع الأسرة حول النار، تضحك فيها الأرواح، وتلتقي فيها القلوب.
إذا أردت أن تتذوق مذاق العيد الحقيقي في المغرب، فابدأ بسيخ من بولفاف... واحرص على أن يكون ساخنًا، ومتبّلًا فقط بالقليل من الملح والكمون، فالبساطة هنا هي سرّ اللذة.