سحر النقش على النحاس

 "في قلب فاس… سحر النقش على النحاس "

سحر النقش على النحاس الفاسي


يُعد فن النقش على النحاس من أعرق وأجمل الفنون التقليدية في المغرب، حيث يجسد التقاء المهارة اليدوية بالذوق الرفيع، ويُعبّر عن عمق الهوية الفنية المغربية. فمن الأسواق العتيقة في فاس ومراكش ومكناس، إلى المعارض الحديثة، يواصل هذا الفن العريق التألق بأساليبه الدقيقة ونقوشه الساحرة التي تحوّل المعدن إلى لوحة فنية ناطقة.

النحاس في الثقافة المغربية

النحاس معدنٌ كان وما زال يحتل مكانة مهمة في الحياة اليومية والثقافية للمغاربة. فقد استُخدم في صناعة الأواني المنزلية، المصابيح التقليدية، المباخر، الأباريق، الصواني، وحتى الزينة الداخلية للمنازل والمساجد. لكنه اكتسب قيمة فنية خاصة عندما دخلت عليه لمسة النقش اليدوي، التي حوّلته من مجرد مادة عملية إلى تحفة زخرفية تنطق بالأصالة.

تقنيات النقش على النحاس

يمرّ فن النقش على النحاس بعدة مراحل دقيقة تتطلب الصبر والمهارة العالية:

1. التحضير: يُصقل سطح القطعة النحاسية جيدًا لتصبح جاهزة للنقش.


2. الرسم والتحديد: يُرسم التصميم يدويًا على سطح النحاس بقلم خاص أو يُنقل عبر قوالب معدنية.


3. النقش: يُستخدم الإزميل والمطرقة اليدوية لحفر الزخارف والكتابات بدقة.


4. التزيين والتلميع: تُضاف أحيانًا مواد مثل الفضة أو المينا لإبراز التفاصيل، ثم يُلمّع العمل النهائي لإظهار بريقه.


هذا العمل كله يتم يدويًا، وغالبًا ما يستغرق ساعات أو أيامًا، حسب حجم القطعة وتعقيد الزخرفة.

أنواع الزخارف

يتميز النقش المغربي على النحاس بتنوع وتناسق زخارفه، التي تشمل:

الزخرفة الهندسية: مستوحاة من الفنون الإسلامية، تتكرر فيها الأشكال المتداخلة والنجوم.

الزخرفة النباتية: تُجسد أوراق الأشجار والزهور بأسلوب فني ناعم.

الكتابات العربية: خاصة الآيات القرآنية أو العبارات الترحيبية، تُنقش بخط مغربي أو كوفي.

الزخارف الأمازيغية: تظهر في بعض المناطق بأشكال رمزية تقليدية.


كل زخرفة تحمل في طياتها هوية ثقافية ورمزية روحية تعكس التنوع المغربي الغني.

مراكز هذا الفن بالمغرب

يُعتبر حي النحاسين في مدينة فاس من أبرز مراكز هذا الفن، حيث تتراكم أصوات الطرق على المعادن لتخلق سيمفونية فنية أصيلة. كما تُعرف مراكش وصفرو وتطوان بورشها التي تُخرج قطعًا فنية مذهلة، تلقى رواجًا في الأسواق المحلية والعالمية.

بين الأصالة والتجديد

رغم صعوبة المنافسة مع المنتجات العصرية، لا يزال فن النقش على النحاس حاضرًا بفضل إصرار الحرفيين الشباب ومبادرات التكوين المهني التي تسعى للحفاظ عليه. كما بدأت تظهر تصاميم حديثة تدمج بين التراث والحداثة، لتواكب أذواق الجيل الجديد من محبي الديكور التقليدي.

فن يتكلم الصمت

ما يُميّز النقش على النحاس هو قدرته على التعبير بالصمت. كل قطعة تحمل قصة: عن صانعها، عن تراث بلده، عن زمن لا يزال حيًا رغم تغيّر العصر. هو فن لا يُقدّر بثمن لأنه خلاصة حرفة وصبر وهوية.

الختام

فن النقش على النحاس في المغرب ليس مجرد صناعة، بل هو مرآة فنية لروح المكان والإنسان. هو إبداع يعيش في الأسواق القديمة، وفي القصور، وفي المنازل التي لا تزال تعتزّ باللمسة المغربية التقليدية. وبين المطرقة والإزميل، ينبض هذا الفن بالحياة، محافظًا على جماله عبر الزمن.
تعليقات