البيصارة : أكلة شعبية بطابع تراثي غني

البيصارة

 أكلة شعبية بطابع تراثي غني

البيصارة كلة شعبية بطابع تراثي غني

في قلب المطبخ المغربي الأصيل، تزدهر أطباق تقليدية لها جذور عميقة في الثقافة والهوية، ومن بينها تبرز البيصارة، تلك الوجبة الشعبية التي تحتل مكانة خاصة في قلوب المغاربة. فرغم بساطتها، تجمع البيصارة بين الطعم اللذيذ، والفائدة الغذائية، والذكريات الدافئة التي ترتبط بأيام الشتاء واللمة العائلية.

ما هي البيصارة؟

البيصارة (أو البصارة كما تُلفظ في بعض المناطق) هي أكلة مغربية تقليدية تُحضّر أساسًا من الفول المجفف أو الجلبانة اليابسة (البازلاء المجففة)، وتُطبخ مع الثوم وزيت الزيتون، وتُنكّه بالتوابل كالكمون، البابريكا، والملح. بعد طهيها جيدًا، يتم طحن المكونات حتى تصبح على شكل شوربة كثيفة القوام، تُقدّم ساخنة مع خبز الدار وزيت الزيتون، وتُزيّن غالبًا برشة من الكمون الحار.

أصولها ومكانتها الثقافية

ترجع أصول البيصارة إلى المطبخ الأمازيغي والمغربي التقليدي، وقد انتشرت في مختلف أنحاء البلاد لتصبح من الأطباق الأساسية، خاصة في المناطق الشمالية كفاس وشفشاون وتطوان، وكذلك في المدن الكبرى كالدار البيضاء ومراكش. تُعتبر البيصارة وجبة الفقراء والغني على حد سواء، لما توفره من طاقة ودفء في الأيام الباردة، بأسعار معقولة.

البيصارة: أكثر من مجرد طعام

البيصارة ليست مجرد أكلة، بل هي طقس موسمي مرتبط بفصل الشتاء، حيث تمثل وجبة يومية في العديد من البيوت والمطاعم الشعبية. تُقدَّم في أوانٍ طينية تقليدية، وتُؤكل غالبًا في الهواء الطلق أو في الأسواق، حيث يتجمّع الناس حول طاولات بسيطة لتناولها مع الشاي بالنعناع أو القهوة.

كما أن البيصارة تجسّد مفهوم "البركة" في الطعام، حيث يمكن لمكونات بسيطة أن تُطعم عدداً كبيراً من الأشخاص، وتُشعرهم بالشبع والرضا. لهذا السبب، فهي محبوبة في الأوساط العائلية، وغالبًا ما تُعدّ بكميات كبيرة لتكفي جميع أفراد العائلة أو حتى الجيران.

القيمة الغذائية

تُعد البيصارة وجبة غنية بالبروتين النباتي، والألياف، والحديد، مما يجعلها خيارًا ممتازًا للنباتيين أو لمن يبحثون عن نظام غذائي صحي ومغذٍ. الفول مصدر ممتاز للطاقة، والثوم مضاد طبيعي للبكتيريا، والكمون يساعد على الهضم، وزيت الزيتون يضيف دهونًا صحية مفيدة للقلب. بهذه المكونات، تصبح البيصارة وجبة متكاملة تجمع بين الصحة والمذاق.

وصفة تحضير البيصارة في المنزل

إذا رغبت في تجربة البيصارة بنفسك، فإليك الطريقة التقليدية:

المكونات:

كوبان من الفول المجفف المقشور أو الجلبانة اليابسة

3 فصوص ثوم مهروسة

نصف ملعقة صغيرة من الكمون

نصف ملعقة صغيرة من البابريكا (تحميرة)

ملح حسب الذوق

زيت الزيتون

ماء

طريقة التحضير:

1. يُنقع الفول في الماء لعدة ساعات أو طوال الليل.

2. يُطهى مع الثوم والتوابل والماء حتى ينضج تمامًا.

3. يُطحن الخليط جيدًا حتى يصبح قوامه ناعمًا.

4. يُعاد إلى النار قليلاً حتى يتماسك.

5. يُقدّم ساخنًا مع رشة كمون وزيت الزيتون.

البيصارة في العصر الحديث

ورغم تغيّر نمط الحياة وتنوع المأكولات، لا تزال البيصارة صامدة كطبق يعكس البساطة والعمق في آن واحد. وقد بدأت تجد طريقها إلى قوائم الطعام في بعض المطاعم الراقية، كنوع من الاحتفاء بالموروث المغربي وتقديمه بطريقة عصرية.

في الختام

البيصارة ليست مجرد حساء فول، بل هي جزء من الهوية المغربية، تختزن في طياتها عبق الماضي، وحكمة الأجداد، ونكهة الأرض. إنها أكلة تجمع الناس، وتُسعد البطون، وتُذكّرنا بأن أبسط الأشياء قد تكون الأجمل والأكثر قيمة.

تعليقات