السفنج المغربي
لذة بسيطة بطابع أصيل
في شوارع المغرب القديمة، وبين الأزقة التي تفوح منها رائحة الزمن الجميل، يصعب أن تمر دون أن تستوقفك رائحة شهية تنبعث من مقلاة تغلي بزيت دافئ، هناك حيث يقف "المعلم" يحرك دوائر ذهبية صغيرة بمهارة موروثة. إنه السفنج المغربي، ذلك الكعك الشعبي التقليدي الذي لا تكتمل صباحات المغاربة بدونه.
ما هو السفنج؟
السفنج هو نوع من المعجنات المقلية، يُحضّر من مكونات بسيطة: الطحين، الخميرة، الماء، وقليل من الملح. يُعجن الخليط حتى يصير لزجًا ومطاطيًا، ويُترك ليتخمر، ثم يُشكل على هيئة حلقات أو أقراص صغيرة قبل أن يُقلى في الزيت الساخن. بعد ذلك يُقدّم ساخنًا، إما كما هو أو مغطى بـالسكر الناعم حسب الذوق.
رغم بساطته، يحمل السفنج معه تاريخًا طويلاً وذكريات جماعية لا تُنسى.
---
رمزية السفنج في الثقافة المغربية
في المغرب، لا يُعتبر السفنج مجرد طعام فطور أو وجبة خفيفة، بل هو جزء من النسيج الاجتماعي. في كل حي تقريبًا، يوجد "مول السفنج" (بائع السفنج) الذي يعرفه الجميع، ويقف الناس أمامه في طوابير صباحية أو مسائية للحصول على حصتهم من الحلقات الساخنة.
يرتبط السفنج بالمناسبات البسيطة، كعطلة نهاية الأسبوع، أو جلسة شاي مسائية مع العائلة، أو حتى زيارة مفاجئة من الضيوف. لا يحتاج الأمر لتحضير كبير: كأس شاي بالنعناع، وقطع من السفنج، وينطلق الحديث.
---
طريقة تقديم السفنج
يُقدم السفنج عادة مع:
العسل أو السكر حسب الذوق
الزيت البلدي (زيت الزيتون) عند البعض في المناطق الجبلية
الشاي المغربي المنعنع، حيث يشكّل الثنائي المثالي في الطعم والمزاج
وفي بعض الأحيان، يُقطّع السفنج إلى قطع صغيرة ويُستخدم في تحضيرات أخرى أو يُضاف إلى مائدة الإفطار بجانب الجبن، والزيتون، والبيض.
---
السفنج في الأحياء والأسواق
يُحضر السفنج غالبًا في أكشاك بسيطة، تُقام في زوايا الأحياء أو أمام الأسواق. يقف "المعلم" خلف مقلاة كبيرة، يقطع العجين بأصابعه بدقة، ويشكّل الحلقات ويقذفها إلى الزيت بسرعة وخفة. البعض يستمتع فقط بمشاهدته، لما فيها من إتقان وتقاليد موروثة.
الزيت يُصفى كل فترة، والحلقات تُقطّر وتوضع على ورق بني، قبل أن تُقدَّم للمشتري ساخنة وهشة. وكم هي لذيذة عندما تُؤكل في الطريق، محاطة برائحة الشاي والدخان الخفيف!
---
السفنج في مواجهة المأكولات العصرية
رغم غزو الحلويات الغربية والمخبوزات العصرية، ما زال السفنج يحتفظ بمكانته الخاصة في قلب المغاربة. بل إنه عاد في السنوات الأخيرة إلى الواجهة بقوة، بفضل موجة العودة إلى الأصالة والمنتجات التقليدية.
حتى في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء، الرباط، ومراكش، لا يزال بالإمكان رؤية طوابير صباحية تنتظر "السفنج السخون"، ما يؤكد أن هذا التراث الشعبي لا يمكن أن يختفي بسهولة.
---
السفنج: أكثر من طعام
السفنج ليس فقط وجبة بسيطة من عجين مقلي، بل هو تعبير عن الهوية المغربية في أبسط صورها. هو رابط بين الماضي والحاضر، بين الجدات والأحفاد، بين الأزقة الشعبية والمقاهي الحديثة.
ففي وقت يسير فيه العالم نحو الأطعمة السريعة والمعلبة، يبقى السفنج المغربي صامدًا، يذكّرنا بجمال البساطة، ودفء التقاليد، ولذة الأشياء التي لا تغيّرها الموضة.
---
خاتمة
إن كنت قد زرت المغرب يومًا، فحتماً مررت بجانب "مول السفنج" ولو مرة. وإن لم تذق السفنج بعد، فربما حان الوقت لتجربة هذا الكنز الذهبي الساخن. لأنه في كل قطعة من السفنج، هناك حكاية تُروى... عن البيت، والشارع، والناس، والمغرب.