الطّاس المغربي: طقس الضيافة والكرم الأصيل

 الطّاس

طقس الضيافة والكرم الأصيل

الطّاس المغربي طقس الضيافة والكرم الأصيل

في عمق الثقافة المغربية الأصيلة، تختبئ تفاصيل صغيرة تحمل معاني كبيرة، ومن بين هذه الرموز التي تجمع بين الوظيفة والرمزية، نجد "الطّاس" أو "المَغسل" إناء تقليدي بسيط في شكله، لكنه غني بدلالاته الاجتماعية والثقافية. قد يبدو للوهلة الأولى مجرد أداة لغسل اليدين، لكنه في الواقع أحد أرقى صور الكرم والاحتفاء بالضيف في الثقافة المغربية.


ما هو الطّاس المغربي؟

الطّاس هو إناء تقليدي مكوّن من ثلاثة أجزاء رئيسية:

إبريق معدني غالبًا ما يكون من النحاس أو الفضة، يُستخدم لصب الماء.

صحن مثقّب يُعرف بـ "الغرابيل"، يمر منه الماء المتساقط من اليدين.

وعاء سفلي واسع يُجمع فيه الماء المستخدم.


يتم تقديم هذا الإناء قبل الطعام وبعده للضيوف لغسل أيديهم بطريقة راقية، دون الحاجة للذهاب إلى الحمام أو الحوض، خاصة في المنازل الكبيرة أو المناسبات العامة مثل الأعراس والعقيقة والولائم الرمضانية.


رمز للكرم والنظافة

تقديم الطاس للضيف ليس مجرد تصرف عملي، بل هو علامة من علامات الاحترام والاهتمام. حينما يُقدّم المضيف "الطّاس" لضيفه، فهو يبعث برسالة ترحيب تقول: "أنت محل تقدير، وراحتك تهمنا". هذا الطقس الصغير يُعزز من الروابط الاجتماعية، ويُظهر حرص المغاربة على النظافة الشخصية والتقدير الجماعي للضيف.


مشهد مألوف في المناسبات

في الأعراس المغربية التقليدية، يعتبر تقديم الطاس من الطقوس التي تسبق تناول الطعام. يُرافق الطاس غالبًا قطعة من الصابون البلدي، وتُقدّم منشفة نظيفة للضيف لتنشيف يديه بعد الغسل. هذا المشهد لا يُنسى، ويشكّل جزءًا من ذكريات الطفولة للكثيرين، حيث يرى الأطفال ضيوف العائلة وهم يغسلون أيديهم في طقوس احتفالية مميزة.


الزخرفة والتصميم

ما يميّز الطّاس أيضًا هو جماليته الفنية. يُصنع عادة من النحاس أو الفضة، ويُزخرف بنقوش تقليدية أمازيغية أو عربية، تُضفي عليه طابعًا تراثيًا فنيًا. بعض الطاسات تُعتبر قطعًا فنية حقيقية، تُعرض في البيوت حتى خارج وقت الاستعمال، كجزء من ديكور مغربي أصيل. في بعض المناطق، يُزيَّن الطاس بكتابات قرآنية أو أشكال هندسية تعكس غنى التراث المحلي.


الطاس بين الماضي والحاضر

رغم التطور الحضاري، لا يزال الطاس حاضرًا بقوة في الثقافة المغربية، خاصة في القرى والمناطق التي ما زالت متمسكة بجذورها. أما في المدن، فقد تراجع استعماله بعض الشيء، لكنه لا يزال يُستخدم في المناسبات الكبيرة كرمز للفخر بالتقاليد. في بعض الأحيان، يُستبدل الطاس بإبريق حديث، لكن الجوهر يبقى هو نفسه: تكريم الضيف وتقديم الخدمة له بأدب ورُقي.


الطاس في الفن والثقافة

ظهر الطاس في العديد من اللوحات الفنية، والأفلام، وحتى الأشعار الشعبية، كرمز للضيافة والنظافة والتقاليد. كما أن بعض السياح الذين يزورون المغرب ينبهرون بهذا الطقس، ويشترون الطاس كهدايا تذكارية لما يحمله من رمزية وجمال يدوي.


في الختام

"الطاس" المغربي ليس مجرد إناء لغسل الأيدي، بل هو طقس اجتماعي عريق يعكس أسمى معاني الكرم والنظافة والجمال. هو امتداد لثقافة مغربية غنية بالتقاليد التي تكرّم الإنسان وتحتفي بالحياة بأبسط الأدوات وأعمق الرموز.


فكل مرة يُقدَّم لك فيها "الطاس"، تذكّر أنك ضيف مُكرَّم في حضرة كرم مغربي لا يشيخ.


تعليقات